فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز} أي العذاب المذكور على التفصيل فاللامُ للجنس المنتظمِ لكل واحدةٍ من الآيات المفصلة، أي كلما وقع عليهم عقوبةٌ من تلك العقوبات قالوا في كل مرة {قَالُواْ يا موسى ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} أي بعهده عندك وهو النبوةُ أو بالذي عهِد إليك أن تدعوَه فيجيبَك كما أجابك في آياتك، وهو صلةٌ لادْعُ أو حالٌ من الضمير فيه، بمعنى ادعُ الله متوسلًا إليه بما عهد عندك، أو متعلقٌ بمحذوف دل عليه التماسُهم، مثلُ أسعِفْنا إلى ما نطلب بحق ما عندك أو قسم أجيب بقوله تعالى: {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز} الذي وقع علينا {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إسراءيل} أي أقسَمْنا بعهد الله عندك لئن كشفت الخ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز} أي العذاب المذكور على التفصيل كما روي عن الحسن وقتادة ومجاهد؛ و{لَّمًّا} لا تنافي التفصيل والتكرير كما لا يخفى.
وعن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه أنه أصابهم ثلج أحمر لم يروه قبل فهلك منهم كثير، وعن ابن جبير أنه الطاعون، وقد ورد إطلاقه عليه في حديث أسامة بن زيد المرفوع «وهو الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه» وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أمر موسى عليه السلام بني إسرائيل فقال: ليذبح كل منكم كبشًا ثم ليخضب كفه في دمه ثم ليضرب على بابه ففعلوا، فقال القبط لهم: لم تجعلوا هذا الدم على أبوابكم؟ قالوا: إن الله تعالى يريد أن يرسل عليكم عذابًا فنسلم وتهلكون، قال القبط: فما يعرفكم الله تعالى إلا بهذه العلامة؟ قالوا: هكذا أمرنا نبينا، فأصبحوا وقد طعن من قوم فرعون سبعون ألفًا فأمسوا وهم لا يتدافنون، والمعنى على الأول أنهم كلما وقع عليهم عقوبة من العقوبات المذكورة.
{قَالُواْ يَا موسى} في كل مرة على القول بأن المراد بالرجز غير ما تقدم أنه لما وقع عليهم الثلج المهلك أو الطاعون الجارف قالوا: {ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهدَ عِنْدَكَ} أي بعهده سبحانه عندك وهو النبوة كما قال أبو مسلم فما مصدرية، وسميت النبوة عهدًا كما قال العلامة الثاني: لأن الله تعالى عهد إكرام الأنبياء عليهم السلام بها وعهدوا إليه تحمل أعبائها، أو لأن لها حقوقًا تحفظ كما تحفظ العهود، أو لأنها بمنزلة عهد ومنشور منه جل وعلا أو بالذي عهد إليك أن تدعوه به فيجيبك كما أجابك في آياتك، {فَمَا} موصولة والجار والمجرور صلة لأدع أو حال من الضمير فيه، يعني ادع الله تعالى متوسلًا بما عهد عندك، ويحتمل أن تكون الباء للقسم الاستعطافي كما يقال: بحياتك افعل كذا، فالمراد استعطافه عليه السلام لأن يدعو، وأن تكون للقسم الحقيقي وجوابه {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز} الذي وقع علينا {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إسرائيل} أي أقسمنا بعهد الله تعالى عندك {لَئِن كَشَفْتَ} الخ، وخلاصة ما ذكروه في الباء هنا أنها إما للإلصاق أو للسببية أو للقسم بقسميه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ}.
الرجز العذاب فالتعريف باللام هنا للعهد أي العذاب المذكور وهو ما في قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطوفان} إلى قوله: {آيات مفصّلات} [الأعراف: 133] والرجز من أسماء الطاعون، وقد تقدم عند قولهم تعالى: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزًا من السماء} في سورة البقرة (59)، فيجوز أن يراد بالرجز الطاعون أي أصابهم طاعون ألجأهم إلى التضرع بموسى عليه السلام، فطُوي ذكره للإيجاز، فالتقدير: وأرسلنا عليهم الرجز ولما وقع عليهم الخ.
وإنما لم يذكر الرجز في عداد الآيات التي في قوله: {فأرسلنا عليهم الطوفان} [الأعراف: 133] الآية تخصيصًا له بالذكر لأن له نبأ عجيبًا فإنه كان ملجئَهم إلى الاعتراف بآيات موسى ووجود ربه تعالى.
وهذا الطاعون هو المَوَتانُ الذي حكي في الإصحاح الحادي عشر من سفر الخروج هكذا يقول الرب إني أخرج نحوَ نصف الليل في وسط مصر فيموت كل بكر في أرض مصر من بكر فرعونَ الجالس على كرسيه إلى بكر الجارية التي خلْف الرحى وكل بكر بهيمة ثم قالت في الإصحاح الثاني عشر فحدث في نصف الليل أن الرب ضرب كل بكر في أرض مصر فقام فرعون ليلًا هو وعبيدُه وجميع المصريين فدعَا موسى وهارونَ ليْلًا وقال قوموا اخرجوا أنتم وبنو إسرائيل جميعًا واذهبوا اعبدوا ربكم واذهبوا وباركوني إلخ.
قيل مات سبعون ألف رجل في ذلك اليوم من القبط خاصة، ولم يصب بني إسرائيل منه شيء.
وليس قولهم: {ادع لنا ربك} بإيمان بالله ورسالة موسى، ولكنهم كانوا مشركين وكانوا يجوزون تعدد الآلهة واختصاص بعض الأمم وبعض الأقطار بآلهة لهم، فهم قد خامرهم من كثرة ما رأوا من آيات موسى أن يكون لموسى رب له تصرف وقدرة.
وأنه أصابهم بالمصائب لأنهم أضروا عبيده، فسألوا موسى أن يكف عنهم ربه ويكون جزاؤه الإذن لبني إسرائيل بالخروج من مصر ليعبدوا ربهم، كما حكت التوراة في الإصحاح الثاني عشر عن فرعون، فقال قوموا اخرجوا أنتم وبنو إسرائيل جميعًا واذهبوا اعبدوا ربكم وقد كان عبدة الأرباب الكثيرين يجوز أن تغلب بعض الأرباب على بعض مثل ما يحدث بين الملوك كما تدل عليه أساطير الميثولوجيا اليونانية، وقصة الياذة هُومَيْروس، فبدَا لفرعون أن وَجْه الفصْل مع بني إسرائيل أن يعبدوا ربهم في أرض غير أرض مصر التي لها أرباب أخر ولذلك قال: {ربك} ولم يقل ربنا.
وحذف متعلق فعل الدعاء لظهور المراد، أي ادع لنا ربك بأن يكف عنا، كما دل عليه قوله بعدُ {لئن كشفت عنا الرجز} ووقع في التوراة في الإصحاح الثاني عشر قول فرعون لموسى وهارون واذهبوا وباركوني أيضًا.
وقد انبرم حال موسى على فرعون فلم يدر أهو رسول من إله غير آلهة القبط فلذلك قال له {بما عهد عندك}، أي: بما عرفك وأودع عندك من الأسرار، وهذه عبارة متحير في الأمر ملتبسة عليه الأدلة.
والباء في {بما عهد عندك} لتعدية فعل الدعاء.
وما موصولة مبهمة، أي ادعه بما علمك ربك من وسائل إجابة دعائك عند ربك، وهذا يقتضي أنهم جوزوا أن يكون موسى مبعوثًا من رب له بناء على تجويزهم تعدد الآلهة.
وجملة {لَئن كشفتَ عنا الرجز} مستأنفة استئنافًا بيانيًا، لأن طلبهم من موسى الدعاء بكشف الرجز عنهم مع سابقيّة كفرهم به يثير سؤال موسى أن يقول: فما الجزاء على ذلك.
واللام موطئة للقسم، وجملة: {لنؤمنّن} جواب القسم.
ووعدُهم بالإيمان لموسى وعد بالإيمان بأنه صادق في أنه مرسل من رب بني إسرائيل ليخرجهم من أرض مصر، وليس وعدًا باتباع الدين الذي جاء به موسى عليه السلام، لأنهم مكذبون به في ذلك وزاعمون أنه ساحر يريد إخراج الناس من أرضهم ولذلك جاء فعل الإيمان متعلقًا بموسى لا باسم الله، وقد جاء هذا الوعد على حسب ظنهم أن الرب الذي يدعو إليه موسى هو رب خاص به وبقومه، كما دل عليه قوله: {ادع لنا ربك بما عهد عندك} وقد وضحوا مرادهم بقولهم: {ولنرسلن معك بني إسرائيل}. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ}.
هم إذن بعد أن استكبروا وكانوا قومًا مجرمين، وتوالت عليهم الأحداث، والرجز هو الأمور المفزعة وما نزل بهم من العذاب، وهنا ذهبوا إلى موسى ليسألوه أن يدعو الله ليكشف ويرفع عنهم ما نزل بهم من العقاب. إذن فهم آمنوا بأن موسى مرسل من رب، وهم قد فهموا أن الرجز الذي عاشوا فيه لن يرتفع إلا من ذلك الرب. وهذا ينقض ربوبية إلههم فرعون، لأنه لو كانت ربوبية فرعون في عقيدتهم لذهبوا إليه ولم يذهبوا إلى عدوهم موسى ليسألوه أن يدعو لهم الله. ومن هنا نأخذ أكثر من قضية عقدية هي أولًا: أن ألوهية فرعون باطلة، وثانيًا: أن موسى مقبولْ الدعاء عند ربه، وثالثًا: أنه إن لم يكشف ربه هذا العذاب فسيستمر هذا العذاب، وكل هذه مقدمات تعطي الإِيمان بالله. {... قَالُواْ ياموسى ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بني إِسْرَائِيلَ} [الأعراف: 134].
أي ادع ربّك بما أعطاك الله من العهد أن ينصرك لأنك رسوله المؤيَّد بمعجزاته وهو لن يتخلى عنك. ادع الله أن يرفع عنا العذاب والله لئن رفعت وكشفت عنا ما نحن فيه من العذاب لنؤمنن بك ولنصدقن ما جئت به ولنرسلن ونطلقن معك بني إسرائيل، وقد كانوا يستخدمونهم في أحط وأرذل الأعمال، ولكنهم في كل مرة بعد أن يكشف الحق عنهم العذاب يعودون إلى نقض العهد بدليل قوله سبحانه عنهم: {فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ}.
يجوزُ في هذه الباء وجهان:
أظهرهما: أن تتعلَّق بـ {ادْعُ} أي: ادْعُهُ بالدُّعاء الذي علَّمك أن تدعوه به.
والثاني: أنَّها باء القسم.
قال الزمخشريُّ: والباء إمَّا تتعلَّق بـ {ادْع} على وجهين:
أحدهما: اسْعِفْنَا إلى ما نطلب إليك من الدُّعاء بحق ما عندك من عهد الله، وكرامته إيَّاك بالنُّبُوَّةِ أو ادع اللَّه لنا مُتَوَسِّلًا إليه بعهده عندك، وإمَّا أن يكون قَسَمًا مُجَابًا بـ {لنُؤمِنَنَّ} أي: أقْسَمْنَا بِعَهْدِ اللَّهِ عندك. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134)}.
لم يقولوا ادع لنا ربَّنا، بل {قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رِبُّكَ} فهم ما ازدادوا بزيادة تلك المحن إلا بعدًا وأجنبية. اهـ.

.تفسير الآية رقم (135):

قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

ودل على قرب الإجابة بالفاء في قوله: {فلما كشفنا} أي بعظمتنا {عنهم الرجز} كرره تصريحًا وتهويلًا، ومددنا الكشف {إلى أجل} أي حد من الزمان {هم بالغوه} أي في علمنا {إذا هم} أي بضمائرهم التي تجري ظواهرهم على حسبها {ينكثون}. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز إلى أَجَلٍ هُم بالغوه} المعنى أنا ما أزلنا عنهم العذاب مطلقًا، وما كشفنا عنهم الرجز في جميع الوقائع، بل إنما أزلنا عنهم العذاب إلى أجل معين، وعند ذلك الأجل لا نزيل عنهم العذاب بل نهلكهم به وقوله: {إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} هو جواب لما يعني فلما كشفنا عنهم فاجؤا النكث وبادروه ولم يؤخروه كما كشفنا عنهم نكثوا. اهـ.

.قال ابن عطية:

وأخبر الله عز وجل أنه لما كشف عنهم العذاب نكثوا عهدهم الذي أعطوه موسى. و{إذا} هاهنا للمفاجأة، و{إلى} متعلقة ب. والأجل يراد به غاية كل واحد منهم بما يخصه من الهلاك والموت. وهذا اللازم من اللفظ كما تقول أخذت كذا إلى وقت وأنت لا تريد وقتًا بعينه، وقال يحيى بن سلام الأجل هنا الغرق.
قال القاضي أبو محمد: وإنما هذا القول لأنه رأى جمهور هذه الطائفة قد اتفق أن هلكت غرقًا فاعتقد أن الإشارة هنا بالأجل إنما هي إلى الغرق، وهذا ليس بلازم لأنه لابد أنه مات منهم قبل الغرق عالم وهم ممن أخر وكشف عنهم العذاب إلى أجل بلغه، ودخل في هذه الآية فأين الغرق من هؤلاء؟ وأين هو ممن بقي بمصر ولم يغرق؟ وذكر بعض الناس أن معنى الكلام فلما كشفنا عنهم الرجز المؤجل إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون، ومحصول هذا التأويل أن العذاب كان مؤجلًا، والمعنى الأول أفصح لأنه تضمن توعدًا ما وقرأ أبو البرهسم وأبو حيوة: {ينكِثون} بكسر الكاف، والنكث نقض ما أبرم، ويستعمل في الأجسام وفي المعاني، وقرأ ابن محيصن ومجاهد وابن جبير {الرُّجز} بضم الراء في جميع القرآن، قال أبو حاتم: إلا أن ابن محيصن كسر حرفين {رجز الشيطان} {والرجز فاهجر}.
قال القاضي أبو محمد: رآهما بمعنى آخر بمثابة الرجز والنتن الذي يجب التطهر منه. اهـ.